أدويةٌ حديثةٌ من نصوصٍ قديمةٍ
-
5 June 2018
-
فئة المقال : أحداث
برغم التغطية الإعلامية السيئة التي يحظى بها الطب الصيني التقليدي في بعض الأحيان، غير أنّ المؤيدين يعتقدون أنه يمثل دستور الأدوية غير المحدد، كما أنهم يستخدمون التكنولوجيا البيولوجية القاطعة للحواف لبرهنتها. هذا ما يفيد به غاري همفري
يعتقد الأستاذ كارل واه-كيونغ تيزم، وهو اختصاصيّ البيولوجيا العصبية والذي يترأس فريق بحثٍ في قسم علم الحياة في جامعة المنطقة الإدارية الخاصة في هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، يعتقد أنّ الطب الصيني التقليدي بكل التحديات التي يمكنه أن يواجهها، عبارةٌ عن منجم ذهبٍ فارماكولوجيٍّ كامنٍ.
"يوجد نحو 100000 تركيبةٍ تعود إلى 2000 سنةٍ في الماضي، وأدويةٍ يمكن استخدامها في معالجة طيفٍ من العلل التي تتراوح من الاكتئاب والأرق إلى تخلخل العظام"، كما يقول، مشيراً إلى أنّ الباحثين قد عثروا بالأصل على جوهرةٍ واحدةٍ على الأقل على شكل الأرتيميسينين والتي تعرف بـ الكينغاوسو في المندرين.
تم اكتشاف القيمة العلاجية للأرتيميسينين في معالجة ملاريا المتصورة المنجلية في العام 1972 من قبل الأستاذ توتويو، وهو عضوٌ في الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية الصينية في بكين، والذي قام ببحث الكتب الطبية التقليدية بالإضافة إلى العلاجات البلدية.
ولكن الأرتيميسينين واحدٌ فقط من أصل المشتقات القليلة للأدوية التقليدية التي تمكن القفز من النصوص القديمة إلى الطب المعاصر المرتكز إلى العلوم، وهو بالتأكيد المثل الأوحد إلى الآن عن دواءٍ يمكن وصفه كجوهرةٍ.
وإنّ الطب الصيني في هذا السياق، متميزٌ عن الأشكال التقليدية الأخرى للطب التقليدي، مثل الطب الأيروفيدي، أو الأشكال الأخرى للطب التقليدي.
الطب التقليدي، والذي هو بشكلٍ أوليٍّ عبارةٌ عن استخدام توليفةٍ من الأعشاب الموصوفة في مركباتٍ، هامٌ بشكلٍ كبيرٍ في الصين، حيث يمثل فيها نحو 40% من السوق الصيدلانية الصينية، مع مبيعاتٍ سنويةٍ مقدارها 21 بليون دولارٍ أمريكيٍّ.
ويعتبر الطب التقليدي خياراً رائجاً لدى المرضى في الصين، وهو بالإضافة لذلك خيارٌ تقوم الحكومة بدعمه بشكلٍ تصاعديٍّ. وتبعاً لنائب وزير الصحة، وانغ جوكيانغ، قامت الحكومة في العام 2011 باستثمار بليون دولارٍ أمريكيٍّ تقريباً (6 بليون RMB) في بحث الطب التقليدي ومشاريعه، وهذا يعادل تقريباً ثلاثة أضعاف الكمية المستثمرة في العام 2010.
وقد استخدم أكثر من 4 بليون RMB من المبلغ الأصلي لدعم الخدمات في مستشفيات الطب التقليدي في الصين والبالغ عددها 1814، في حين استخدم بليوناً آخر في بناء 70 مستشفىً للطب التقليدي على مستوى البلاد.
"تؤلف المستشفيات التقليدية نحو 15% من الجهاز المستشفوي الإجمالي"، هذا ما يشرحه الدكتور Zhang Qi، وهو منسق فريق الطب التقليدي في منظمة الصحة العالمية، والذي لاحظ أنّ الطب الصيني متاحاً أيضاً في مستشفيات البلد التي تدعى بـ "المستشفيات الطبية الغربية".
إنّ الطب الصيني التقليدي ضخمٌ في الصين والبلدان الآسيوية الأخرى، والتي فيها تبعاً لمنظمة الصحة العالمية، يستخدمه ما يصل إلى 80% من بعض الجمهرات السكانية من أجل الرعاية الصحية.
ومع ذلك، فهو مقبولٌ بشكلٍ أقل في الأماكن الأخرى، ويعود ذلك جزئياً إلى فقد الأساس الدلالي بالإضافة إلى القلق حيال بجودته.
ويتم تحديد مثل هذه الشكوك من قبل التقارير الصادرة على أساسٍ منتظمٍ عن الوكالة التنظيمية لمستحضرات الرعاية الصحية الدوائية في المملكة المتحدة في بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والتي أقرت حديثاً بوجود سوقٍ تجاريةٍ عالميةٍ هامةٍ للعلاجات الصينية ذات الجودة التي هي في موضع التساؤل.
وفي محاولةٍ للاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو من العام 2011 لمنع بيع المستحضرات ضعيفة الجودة، فقد جعل الاتحاد الأوروبي بيع أياً من المعالجات العشبية الصينية التقليدية غير قانونيٍّ ما لم يتم تسجيلها في مخطط التسجيل الدوائي العشبي التقليدي للاتحاد الأوروبي.
إنّ تحسين معايير الجودة الدوائية موجودٌ في رأس برنامج العمل الصيني وهو مركز العمل الذي يقوم به الأستاذ ليو ليانغ، وهو مدير المختبرات المفتاحية الحكومية لبحث الجودة لما يتعلق بالأدوية الصينية، في ماكاو، الصين، حيث يقوم وفريقه من الباحثين بالعمل على ضبط جودة الأدوية الصينية التقليدية، مستخدمين التكنولوجيا المعاصرة.
حيث يقول ليانغ "إنّ مركز اهتمامنا الرئيس هو كيفية الوصول لبعض المعايير لتحقيق التناسق في الإنتاج، بما في ذلك عملية التصنيع".
ويبدو أنّ إقناع البحث العالمي ومجتمع التطوير بالأساس الدلالي للطب الصيني التقليدي أكثر تحدياً بالمقارنة مع تحديد معايير الجودة. ومع ذلك، يقوم الآن الباحثون الصينيون في المؤسسات الحكومية والأكاديمية أيضاً بالدفع نحو الأمام.
إنهم يحاولون عزل المكونات الفعالة في الأدوية التقليدية، وهي مهمةٌ صعبةٌ لأنّ معظم الأدوية الصينية تحتوي على مكوناتٍ متعددةٍ.
وحتى إنّ الوصفات البسيطة مثل الدانجوي danggui – التطبيخ ثنائي الأعشاب الموصوف لتنبيه الجهاز المناعي والدوران الدموي معقدٌ جزيئياً، والذي كان مركز الجهود البحثية لـ Tsim خلال العقدين الماضيين - لأنّ الأعشاب بحد ذاتها لها مكوناتٌ متعددةٌ.
حيث يقول Tsim"أنه يمكن أنْ يكون لعشبةٍ واحدةٍ مئاتٌ من المكونات".
يعتقد الأستاذ يونغ هـ. وانغ، وهو مدير قسم علوم الحياة في معهد بحث التكنولوجيا البيولوجية في المنطقة الإدارية من هونغ كونغ، أنّ التكنولوجيا البيولوجية القاطعة للحواف هي مفتاح حلّ ذلك التعقيد.
ومثل تيزم وليانغ، فإنّ وانغ يؤمن بقوةٍ أيضاً بالطب التقليدي، ويعود ذلك بشكلٍ رئيسٍ للمساقات البيولوجية التي من الممكن أنْ يقدمها. حيث يقول هذا الأخير "بأنّ الطب التقليدي قد استخدم بنجاحٍ في الثقافة الصينية لآلاف السنوات في معالجة الأمراض".
"يزيد البحث المرتكز للطب التقليدي الصيني وتطويره آفاق التوصل إلى نجاحاتٍ فعالةٍ بيولوجياً لأمراضٍ خاصةٍ، ما يمثل فائدةً كبيرةً في ميدان الاكتشاف الدوائي وتطويره".
يستخدم وانغ برنامج تحرٍّ عالي الإنتاجية يعمل على دمج التكنولوجيا الأحدث. حيث يقول وانغ "نحن نستخدم برنامجاً لتحري المجموعات الكبيرة من الخلاصات والخلاصات المجزأة والمركبات النقية"، وبإضافة ذلك، إنه يقوم باستهداف ما يزيد عن 150 خطٍّ خلويٍّ وما يزيد عن 300 جزيءٍ.
ومن أجل الباحثين الآخرين، إنه التعقيد الحقيقي للتآثرات بين المكونات المختلفة للمركبات العشبية التي تسأل عن فعالية الأدوية التقليدية. وبعيداً عن كونه عائقاً في البحث الدوائي، إنّ التعقيد هو ما يجعل البحث في هذه المركبات أمراً كاشفاً.
ويقول الأستاذ Yung-Chi Cheng، وهو باحثٌ في علم الأورام في جامعة ييل، والذي يقوم بالعمل على الـ هوانغ كين تانغ huang qin tang، وهو توليفةٌ عشبيةٌ رباعيةٌ مكتشفةٌ منذ نحو 1800 سنةٍ مضت، "تفوتنا رؤية الصورة الكبيرة بالتركيز على المكونات الوحيدة.
تماماً مثل محاولاتنا في علاج المرض بالتركيز على مواقع المرض الوحيدة".
وقد تم بشكلٍ أصليٍّ وصف الـ هوانغ كين تانغ لتخفيف الإسهال والاضطرابات المعدية.
ويقول تشنغ Cheng"لقد رغبت أنْ أرى إنْ كانت التوليفة تخفف الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي من دون أنْ تتدخل بالعلاج الكيميائي بحد ذاته". لقد استخدم تسنغ الاستشراب السائل والتنظير الطيفي الكتلي لفصل المركبات ولتحديد المكونات الفردية للخليط.
ومن ثم استخدم علم النباتات لدراسة الفعالية البيولوجية الخاصة المجراة من قبل كل مكونٍ للمركب العشبي. يقول Cheng "باستخدام هذه الطريقة كنا قادرين على تحديد 57 مادةٍ كيميائيةٍ.
"ثم قمنا بإحداث بروفيل الاستجابة البيولوجية، مراقبين ما يقارب 1800 مستحضرٍ جينيٍّ في الخلايا البشرية لنرى ما قد تغير تحت أثر التركيبة".
وجد تشنغ Cheng أنّ المركب يخفض الالتهاب المحدث بالعلاج الكيميائي في السبيل الهضمي عبر ثلاث آلياتٍ مختلفةٍ.
"وبشكلٍ فرديٍّ، هذه الآليات ليست بتلك القوة، غير أنّ عمل هذه الآليات الثلاث معاً يؤدي إلى اختلافٍ هامٍّ"، كما يقول تشنغ.
ولم تكن الآليات مختلفةً فحسب، بل كانت المواد الكيميائية المكتنفة فيها مختلفةً أيضاً. وكان هناك شيءٌ آخر جارٍ أيضاً. "كان الخليط يقوم بإصلاح الضرر الناجم عن العلاج الكيميائي، وهنا من جديد، كانت المواد الكيميائية المكتنفة مختلفةً تماماً عن المواد الكيميائية الكابتة للغثيان".
وبالنسبة لتشنغ Cheng، لقد بين ذلك بوضوح أنه لا جدوى من محاولة فهم الأثر البيولوجي لهذا المركب بلغة فعل المكونات الوحيدة.
وبتمويلٍ من المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد طور تشنغ حديثاً دواءً قابلاً للاختبار، على شكل كبسولةٍ حاويةٍ على مستحضرٍ عشبيٍّ منزوع الماء.
وهذا الدواء، الذي هو على وشك الدخول إلى الطور الثاني من التجارب السريرية، قد يكون محتمل التوافر خلال ثلاثة إلى خمسة أعوامٍ. ومع ذلك، بالنسبة لتشنغ، إنّ القيام بالعمل العلمي وتأسيس الأساس الدلالي اللذين يضفيان الاحترام على مجال الطب الصيني التقليدي هامان بنفس قدر أهمية إنتاج الدواء الفردي.
حيث يقول تشنغ، "إنّ الطب الصيني التقليدي كنزٌ بشريٌّ ويجب مشاركته مع العالم بأسره"
منظمة الصحة العالمية
جميع الآراء والتعليقات المطروحة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي للموقع بل تمثل وجهة نظر الكاتب